الثلاثاء، 6 يوليو 2010



توحيد التاريخ ومناهضة الماضي سبيلنا الى الوحدة الإنسانية




باسم محمد حبيب :-
دائما يعرف التاريخ بانه سجل الماضي وعبقه واصل الحاضر او مصدره وهو كما يصف ابن خلدون في مقدمته (فن عزيز المذهب جم الفوائد شريف الغاية) لانه يعرض اخبارا مفيدة واحداثا مثيرة نجعلها عبرة والهاما لنا في حاضرنا ومستقبلنا ولان (الماضي هو بعد دائم من ابعاد الوعي البشري) كما يرى (هوبزبوم).

اذن من الضروري ان ندرسه بتمعن وان نجعله مقوما لوعينا ومرسخا لحسنا الانساني وهذا لن يتم بدون اعتماد منهج يتيح تحقيق هذه الغاية لان الكثير من المشاكل والخلافات نتجت حسب ما نعتقد من المناهج المخصصة لتدريس التاريخ التي تثير الانفعال لدى الدارسين لاسيما هي مناهج مشبعة بالحماسة والفخر والاعتزاز الذاتي الذي يثير عادة التشنجات والحزازات بين الشعوب اي انها مناهج لم تكتب بطريقة علمية موضوعية كما هو مفروض انما تدخلت الفئوية والايديولوجية في كتابتها بغض النظر عن طبيعة هذه الايديولوجية يقول ويلز (كل ما يفعله الناس والامم هو نتيجة للتعديلات الغريزية التي تتكون كردود فعل للافكار التي ادخلتها اقوال الصحف والكتب ومعلمو المدارس.. في نفوس الناس) ومن ثم يمكننا بفعل التاريخ صنع شعب مؤدلج او متحرر من اي ايديولوجية لان التاريخ لا يملك معنى بذاته بل نحن الذين نضفي على حركته المعنى الذي نريد يقول فريدريك نيتشه (التاريخ ليس عمل العقل انه مليء بالعوارض واللامعقولات وما لا يفهم الى اي حد يكون التاريخ شرسا ومجردا من المعنى لا يمكن ان يفهم ابدا الوضع الذي يعطي التاريخ معناه) لكن مهمة المؤرخ ليس اضفاء غموض على غموض من خلال تجريد التاريخ من اي معنى انما العكس من ذلك تماما محاولة ايجاد معنى له او خلق هذا المعنى باي شكل كان ومع ان هذا المعنى يتحمل ان يكون ذا تأثير سلبي او ايجابي يتطلب الامر بذل جهود حثيثة لجعل تأثيره ايجابيا قدر ما يمكن لانه بخلاف ذلك لن يكون مفيدا او ضروريا يقول شارل رنوفييه (ان التقدم يجب ان يراد وان يحقق من قبل كل فرد) وايضا كل دولة او شعب لان النجاح لن يكون ممكنا بدون توجيه يحث الجميع عليه وكما ان قدر البشرية هو التوحد لانه الضمانة الوحيدة لابقائها موجودة وحيه فان امامنا سبيلين لتحقيق ذلك (الاول) بنكران الماضي واهماله والتأكيد على الحاضر والمستقبل و(الثاني) بتوحيد منهج التاريخ لعموم البشرية وبالطبع لابد ان ندرك ان تحقيق ذلك ليس بالامر اليسير الا انه في الواقع ممكن بشرط الحصول على قبول عالمي به لان التاريخ ليس ملكا لفرد او شعب بل ملك الجميع على حد سواء ومن ثم اذا وقف التاريخ عائقا امام الوحدة الانسانية سيكون لزاما علينا التضحية به او على الاقل جعله مقيدا بخدمة البشرية يقول كونفشيوس ((من يكن طيبا حقا لا يمكن ابدا ان يكون تعيسا ومن يكن حكيما لا يقع ابدا في الاضطراب)) ولذلك بامكاننا تدريس التاريخ وفق هذه الاسس لنخرج بنتائج جيدة كما تنبأ كونفشيوس.
لكن نكران الماضي او اهماله لا يتحقق بسهولة وان قررنا ذلك رسميا لان الماضي مزروع في نفوس الناس ولعله يعيش معهم لذلك نحن بحاجة الى جهد اجيال حتى نستطيع ان نقطف ثمرات ما نفعل ولو بشكل نسبي على ان ذلك في نظرنا يستحق هذا الجهد لاننا موقنين بان معظم المشاكل التي نعاني منها سواء كانت دينية او عرقية او طائفية هي نتاج التاريخ وان معظم الدماء التي اريقت او تراق الان هي بسبب هذه المناهج التي تفسر التاريخ وفق الايديولوجيات حتى كأن الطرح الذي يقول ((ان الامم السعيدة هي الامم التي ليس لها تاريخ)) صحيح تماما بدليل اننا نلاحظ انسجاما واضحا لدى الشعوب الكوزبوليتارية للعالم الجديد لانهم تخلصوا من اثر التاريخ واستعاضوا عنه باثر المصلحة والمنفعة المشتركة بعكس ذلك نجد الشعوب في المناطق القديمة مثل الشرق الاوسط في حال صراع ومواجهة مستديمة ولعل معظم الحروب التي شهدها العالم حصلت في هذه المنطقة المضطربة من العالم وهي ما زالت حبلى بمشاكل وصراعات لا يعلم الا الله مداها وكل ذلك بسبب فاعلية الماضي وتأثيره المستمر في وجدان الناس ونفوسهم وهو ما يدعونا الى اتخاذ موقف جريء من هذا الماضي ليس بتجاهله وحسب بل ونسفه ايضا اذا لزم الامر لكن هذا الامر لا يتطلب مجرد قرار وحسب لان المشكلة ليست شكلية انما لابد من العمل على خلق ثقافة مناهضة للماضي حتى نستطيع انجاح مسعانا هذا مدركين مع (هوبزبوم) (ان الطرق المعول عليها لتحقيق ذلك قليلة او قاصرة) والامر يحتاج الى اكثر من مجرد الرغبة او العمل الميداني البسيط لكن مع ذلك هو يؤكد ايضا على ان تعرض المجتمع الى تغيير ما سواء كان هذا التغيير قسريا من الداخل او خارجيا يمكن في حدود معينة في كسر المعيار الداعم لتأثير الماضي مع ان ذلك لن يكون نهاية المطاف لان الماضي قد يعود ليؤثر في نفوس الناس من جديد اللهم الا اذا تسارع التغيير ليحول المجتمع بسرعة الى ما وراء نقطة المعيار او يغدو حالة لازمة في المجتمع ومهما يكن الامر فاننا بحاجة الى اي جهد يحقق لنا هذا المسعى خدمة لحاضرنا ومستقبلنا.
اما انشاء منهج للتاريخ يدرس لعموم البشرية قد يكون اجدى الا انه يستوجب صدور قرار عالمي يلزم جميع الدول به وهذا الامر قد يواجه ببعض التحفظ او الرفض من هذا الطرف او ذاك لاسباب وجدانية الا ان فرضه ليس صعبا على اي حال لاسيما اذا استخدمت معه وسائل الضغط المعروفة او تقديم بعض المغريات ولو تحقق هذا الهدف باي جهد نبذله سنكون سعداء باننا امنا للبشرية مستقبل افضل لان تدريس نفس المادة في كل بلدان العالم لن يكون له صدى تضامني وحسب انما ويدفع نحو بناء الحاضر او المستقبل بعيدا عن تأثيرات الماضي وهيمنته بما في ذلك المساعدة على اشاعة جو من التعاون بين شعوب الارض وافشاء السلام بينهم وستشهد البشرية سيادة نزعة واحدة هي النزعة الانسانية التي تستمد حضورها ليس من النداءات والمبادرات الشخصية كما هو حاصل الان بل من منهج عام يدرسه جميع البشر في جميع انحاء العالم تختفي فيه الفروق لصالح الوحدة الانسانية.

هناك تعليق واحد:

  1. اهم نقتطين فى المقال :
    1- ان قدر البشرية هو التوحد وتحقيق الوحدة الالسانية
    2- انه يجب التضحية بالتاريخ اذا كان عائقا امام تحقيق هذه الوحدة

    ردحذف