إن العبادة حس فطري وذاتي لدى الجنس البشري بل أن الإنسان البدائي في الأزمنة السالفه والذي عاش في الكهوف وكان في غاية الوحشية والبدوية لم يكن فاقدا لهذا الإحساس، وقد أظهر من استعداده وإدراكه على أن فطرته تدرك هذا الحس بطرق مختلفة فعبد حينا الشمس وتارة النجوم و غيرها باعتبارها أقوى منه وتشعره بعجزه .
ولو أمعنا النظر نلاحظ بأن البشرية لم تنل أى قسط من الرفاهية أو السعادة أو الاتحاد إلا في ظل واحدة من الرسالات الإلهية وما تحقق ذلك إلا في ظل التعاليم الإلهية ، لذلك فإن الله سبحانه وتعالى يبعث من بين خلقه نفوسا مختارة في كل فترة زمنية حيث يتولوا مهمة تربية وتهذيب البشر روحانيا وخلقيا ولذلك ظهرت أديانا مختلفة و متعددة .وقد تجلى الله بظهوره في كل دور حسب استعداد وقدرة العباد وتزايد هذا التجلي بالتدريج كالشمس عندما تكون في بداية السطوع تبدو حرارتها قليلة وتتدرج بالازدياد كي تأنس الأشياء بالحرارة وعندما تصل إلى الزوال تصل الحرارة إلى ذروتها ثم تعرج إلى المغيب تدريجيا وهذه من الحكم الإلهية لأنها لو ظهرت منذ بداية سطوعها بالحرارة الشديدة لاحترقت الأشياء وأضيرت بها. وأكبر دليل على ذلك هو نزول القرآن الكريم بأحكامه خلال ثلاثة وعشرين عاما .
والمجتمع الإنساني قد تأهل الآن للوصول إلى مرحلة بلوغ العقل نابذا وراءه الأعمال الطفولية وشقاوتها و تاركا الحروب والحركات الصبيانية المتسمة بالغرور .
ربما يخطر على بعض الأذهان أن الوحدة و الاتحاد والصلح و السلام أمور شبه محالة لأن البشر اعتادوا على الحرب وسيظلون كذلك ولكن ما يجب أن ندركه أن الإنسان في السابق كان محدود الفكر كما وأن الوحدة الكاملة للجامعة الإنسانية لم يكن قد حان وقتها.
فإننا لو ألقينا نظرة على التاريخ البشرى نجد أن البشرية كانت دائما في حالة حرب كما وكأنها خلقت لذلك حتى أن تربية أبناء الوطن كانت مبنية على أساس الحرب وسفك الدماء وإن تنفست البشرية الصعداء من الحرب فترة من الزمن فهي بسبب تجديد القوى كي تبدأ الحرب من جديد ولم يجد الصلح مدافعا عنه .
لو ترك الإنسان دون تربية ودون ترقية لعواطفه الإنسانية والجوانب الروحية فهو بلا شك سوف يتبع غرائزه الحيوانية .ولا يمكن تربية الإنسان واكتساب الكمالات الروحانية إلا من خلال الرسل والأنبياء القادرين على تحقيق الصلح والوحدة وتحقق كمال عالم الإنسان .
فعالم الإنسان أشبه ما يكون بالهيكل الجسماني كل فرد من أفراده يكون مجموعة من الخلايا الحية وكل مجموعة من الأفراد تؤلف عضوا من الأعضاء وقد مر الهيكل الإنساني بأشكال مختلفة عبر القرون والأعصار إلى أن اتحدت أجزاؤه فعندما عقدت نطفة هيكل الإنسان في رحم العالم تكونت أعضاؤه التي شكلت الأسرة ثم تطورت أجزاؤها لتشكل القوم والعشيرة والمدينة والدولة وهكذا إلى أن اتحدت وسارت بقوة الروح في طريق الكمال . أي أن المجتمع البشرى يسير طوعا أو جبرا نحو الصلح والوحدة ولا شيء يعوق ذلك كما وأن لا شيء يعوق رشد ونمو جسم الإنسان .
الحروب السابقة كانت تنتهي بانتصار طرف وهزيمة الطرف الآخر إنما الحروب الحالية لا يوجد غالب ومغلوب لأن الهزائم والخسائر الناجمة عن الحرب سواء من الناحية المالية أو في الأرواح أدخلت خللا في نظم وتعادل المجتمع البشري وشلت الحركة الاجتماعية .
و اليوم لا يدخل في الاعتبار فقط الخسائر المالية والتكاليف الباهظة إنما هناك الخطر الذي يهدد هلاك واضمحلال البشرية .
ومن النتائج والمشاكل التي أصابت البشرية من الحروب الأخيرة والتي تحتاج إلى سنين طويلة من الوقت لكي نصل إلى حل هذه المشاكل هي :
- تناقص القوى الإنسانية القادرة على العطاء ذات القوة الجسدية والذهنية .
- ازدياد اعداد البشر العاجزين عن العمل الضعفاء والمعاقين .
- انهدام حضارات وجهود بني البشر الذين سعوا لتوفير وسائل الراحه للبشرية .
- إيجاد خلل وعدم توازن في الأمور الاجتماعية والاقتصادية .
- تباطؤ التطور الصحي الذي أدى إلى ظهور الأمراض المعدية .
- شيوع الفساد والفحشاء والأمراض النفسية وزيادة الأطفال الغير شرعيين .
- ازدياد الجريمة من قبيل القتل والسرقة .
- ايجاد حس القسوة وحب الانتقام .
- انعدام العلاقات والعواطف الإنسانية بين أفراد البشر وفقدان المحبة بين الأفراد والعائلات - ازدياد المتعاطين للمواد المخدرة والمسكرة .
- شيوع البطالة والخمول في الأعمال .
لقد انقضى عصر الرضاعة والطفولة والآن ابتلي العالم بهيجان شديد حيث وصلت مرحلة غرور الشباب إلى الحد الأعلى وستهدأ بالتدريج وتتسم بالعقل والهدوء الذين هما من خصائص مرحلة البلوغ ، وتنمو وتزدهر نحو مرحلة الكمال .
ومن البديهي أن الآداب والرسوم وأفكار وسنن الدول والملل مختلفة إنما لا يتعارض هذا مع الوحدة والاتحاد بينهم وهذه الوحدة ليست متباينة مع حب الوطن بل مكملة له وهذه العادات والسنن المختلفة بمثابة أزهار مختلفة الألوان في بستان العالم البشرى تضفي عليه الجمال كما هو الحال في أغلب دول العالم فيوجد هناك مجموعات من الأقوام والمذاهب والألسنة المختلفة ولهم خصوصيات أخلاقية واجتماعية مختلفة إنما متحدين في الاعتقاد بالوحدة الوطنية فيجب أن يتحقق هذا على المستوى العالمي .
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق