لفظ المواطنة لغةً مأخوذ من مادة "و ط ن"، لكن ليس على المعنى المصطلح عليه، وفي (لسان العرب): "الوطن المنزل تقيم به وهو موطن الإنسان ومحله، والجمع أوطان، وأوطان الغنم والبقر: مرابضها وأماكنها التي تأوي إليها... وَطَنَ بالمكان وأوطن: أقام، وأوطنه: اتخذه وطناً، يقال: أوطن فلان أرض كذا وكذا؛ أي: اتخذها محلاً ومسكناً يقيم فيها، والميطان: الموضع الذي يوطن لترسل منه الخيل في السباق، وفي صفته - صلى الله عليه وسلم - : "كان لا يوطن الأماكن"[1]، أي: لا يتخذ لنفسه مجلساً يُعرَف به، والموطن: مفعل منه، ويسمى به المشهد من مشاهد الحرب، وجمعه مواطن، والموطن: المشهد من مشاهد الحرب، وفي التنزيل العزيز: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ} [التوبة: ٥٢]" [2].
وفي (المصباح المنير) في غريب الشرح الكبير: "الوطن: مكان الإنسان ومقرُّه، ومنه قيل لمربض الغنم: وطن، والجمع أوطان مثل سبب وأسباب، وأوطن الرجل البلد واستوطنه وتوطنه: اتخذه وطناً، والموطن مثل الوطن والجمع مواطن مثل مسجد ومساجد، والموطن أيضاً: المشهد من مشاهد الحرب، ووطَّن نفسه على الأمر توطيناً: مهَّدها لفعله وذلَّلها، وواطنه مواطنة مثل وافقه موافقة وزناً ومعنى".
Pasted from
المواطنة اصطلاحاً:
لكن هذا اللفظ أُريد له أن يحمل بُعْداً فكرياً وأيديولوجياً تُبنى على أساسه التصورات والتصرفات في الوطن الذي يحمل اسم "دولة"؛ ليحلَّ محل الدين في صياغة التصورات والأفكار وإقامة العلاقات؛ خاصة أن هذا المصطلح ارتبطت بدايات ظهوره بتنحية الدين في العالم الغربي النصراني الذي ظهر فيه، وتغليب مفاهيم بديلة تتنكَّر للدين وتعلي من قيمة الجنسية والتراب الوطني والاعتزاز به أكثر من غيره، والانتماء إلى تراثه التاريخي وعاداته وثقافته ولغته، والتي شكَّلت نسيجاً يحيط بالوطن حتى حوَّلته إلى رمز يُوالَى فيه ويُعادَى عليه، ومنه تستنبط القيم والسلوك والعادات، وعلى أساسه تحدد الحقوق والواجبات بعيداً عن الدين أو أي موروث فكري أو ثقافي يعارض هذه الفكرة؛ حيث يعمل على إذابة كل الأفكار والانتماءات العقدية والعرقية.
ورغم أن مصطلح المواطنة لم يوجد على هذه الصـورة أول أمره بل أخذ يتطور وينتقل من مفهوم إلى مفهــوم، بحيــث لا يمكن الوقوف على تعريف جامع له؛ إلا أنه ينظر إلى المواطنة بوجه عام على أنها علاقة قانونية بين الفرد (المواطن)[4] وبين الوطن الذي تمثله الدولة بسلطاتها الثلاث: التشريعية والتنفيذية والقضائية، حيث تنظم القوانين السائدة هذه العلاقة، والتي تقوم على أساس الانتماء لوطن واحد خاضع لنظام سياسي واحد بعيداً عن الارتباط بشيء خارج إطار الوطن؛ سواء كان ديناً أو ثقافةً أو غير ذلك، وهي علاقة اصطناعية وليست علاقة طبيعية، فهي ليست صفة لصيقة بالإنسان بمقتضى إنسانيته، بل هناك طرق لاكتسابها، كما أن الإنسان يمكن أن يفقدها وَفْق شروط وضوابط معينة.
كما أن الأحكام المنظمة لهذه العلاقة قابلة للتغيير انطلاقاً من إمكانية تغيير القوانين التي تضبط حدود تلك العلاقة وتبيِّن الحقوق والواجبات المترتبة عليها.
Pasted from
ضيق المواطنة ومحدوديتها:
المواطنة انطلاقاً من تقيُّدها بالوطن وانحصارها في الأفراد الذين يسكنونه؛ فإن معانيها ودلالاتها تختلف من بلد إلى آخر، وتنحصر في الحدود الجغرافية لكل وطن، فليس لها صفة العموم والشيوع، فالإنسان لا يعامل معاملة (المواطن) ولا يتمتع بحقوق المواطنة إلا داخل حدود دولة يحمل جنسيتها حتى لو عاش أغلب حياته خارج حدود الوطن، بينما الإنسان الذي لا يحمل جنسية دولة ما لا يتمتع بحقوق المواطنة فيها وإن جلس عشرات السنين، أو قضى عمره كله فيها يعطيها من فكره وعقله وجهده.
وأصحاب الفكر الديمقراطي لا يرون معنى حقيقياً للمواطنة إلا في دولة ديمقراطية ليبرالية، كما أن أصحاب الفكر الاشتراكي لا يرون معنى حقيقياً للمواطنة إلا في دولة ديمقراطية اشتراكية.
والمواطنة بالنسبة للمسلمين تمثل دعوة إلى التفرُّق والتشتت والتقوقع، فيكون هناك ولاء من الفرد (المواطن) لوطنه يلتزم بقوانينه ويدافع عنه، ولا يتعدَّى ذلك إلى محيطه الأوسع وأمته المترامية الأطراف؛ لأن المواطنة مرتبطة بأبعاد جغرافية محدودة لتحقيق منافع دنيوية.
Pasted from ">www.islamway.com/?iw_s=outdoor&iw_a=print_articles&article_id=5156>
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق